فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد الدبيسي حفظه الله
موقع غير رسمي يحتوي على المحاضرات الصوتية و كتب لفضيلة الشيخ

 

فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله /  مقالات  / الترغيب في الصدقة والحثّ عليها، وما جاء في جهد المقلّ، ومَن تصدق بما لا يجب

 

ابحث داخل الموقع    

الرئيسية 

ترجمة الشيخ

ركن الصوتيات

مواعيد  الدروس

ركن الكتب

مختارات

ركن الملفات

ركن المقالات

إلي محرر الموقع

جديد الموقع

معلومات حول الموقع

 

 

                                                                                  

 

 عن عَبْد اللَّهِ  بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:

كَانَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ،

 وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ،

 وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ .

 قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ .

متفقٌ عليه

----------------------

 

تنبيه مهم:

 

الترغيب في الصدقة والحثّ عليها، وما جاء في جهد المقلّ، ومَن تصدق بما لا يجب

 

 

 

 

(ملحوظة: نصوص الأحاديث أغلبها منقولةٌ بتصرفٍ كثيرٍ من "صحيح الترغيب والترهيب، وأحكام الشيخ الألباني رحمه الله تعالى بين قوسين قبل كل حديث)

 

1-  مِن   فوائد الصدقة:

تَعْظيم وتَضْعِيف ثوابِ الصدقة جدًا؛ كرمًا مِن عند الله تعالى

 

 

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

« مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ - وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ -

وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فِلْوَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ » .

أخرجه البخاري ومسلم.

 

 

عن أَبَي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

 « مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ - وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ - إِلاَّ أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ،  وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً!  فَتَرْبُو فِى كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ ؛كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ»

 أخرجه مسلم.

 

شرح الحديث:

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ) أَيْ: بِمِثْلِهَا صُورَةً أَوْ قِيمَةً (مِنْ كَسْبٍ) أَيْ: مِن صِنَاعَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ زِرَاعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ وَلَوْ إِرْثًا وَهِبَةً  (طَيِّبٍ) أَيْ: حَلَالٍ

(- وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ - ) جُمْلَةٌ اعتراضيةٌ ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ غَيْرَ الْحَلَالِ غَيْرُ مَقْبُولٍ،  وَأَنَّ الْحَلَالَ الْمُكْتَسَبَ يَقَعُ بِمَحَلٍّ عَظِيمٍ،

 

 (وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ) مما يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْقَبُولِ منه لها، وَوُقُوعِ الصَّدَقَةِ مِنْهُ مَوْقِعَ الرِّضَا عَلَى أَكْمَلِ الْحُصُولِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمَرْضِيَّ يُتَلَقَّى بِالْيَمِينِ فِي الْعَادَةِ 

 

 (ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ) أَيْ: يُزِيدُهَا وَيُعَظِّمُهَا حَتَّى تَثْقُلَ فِي الْمِيزَانِ  (كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فِلْوَهُ) قالَ أَهْل اللُّغَة : ( الْفَلُوّ ) الْمُهْر سُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ فُلِّي عَنْ أُمّه ، أَيْ : فُصِل وَعُزِل عنها . وَفِي (الْفَلُوّ) لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ: أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرهمَا : فَتْح الْفَاء وَضَمّ اللَّام وَتَشْدِيد الْوَاو: (فَلُوّ) ، وَالثَّانِيَة : كَسْر الْفَاء وَإِسْكَان اللَّام وَتَخْفِيف الواو: (فِلْو) . وفي روايةٍ: (كَمَا يُرَبِّي أَحَدكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيله) قَالَ أَهْل اللُّغَة َالْفَصِيل : وَلَد النَّاقَة إِذَا فصل مِنْ رضَاع أُمّه.

 

(حَتَّى تَكُونَ) بِالتَّأْنِيثِ أَيِ: الصَّدَقَةُ، أَوْ ثَوَابُهَا،  أَوْ تِلْكَ التَّمْرَةُ  (مِثْلَ الْجَبَلِ) أَيْ: فِي الثِّقَلِ؛ وذلك لأن دوامَ نظرِ الله إليها يَكْسُوها صفةَ الكمال،  وخصّ  الفِلْو- أي الـمهر-  بضرب الـمَثل لأنه يَزيد زيادَةً بينةً، ولأن الفلو يحتاج للتربية وصاحبه لا يزال يتعهَّدَه حتى ينتهى إلى حدّ يقرب من الكمال،  وكذا عمل الآدمي؛ سيّما الصدقة التي يُحاذيها الشيطان ويتشبّث بها الهوى ويَقتفيها الرياء،  فلا تكاد تخلص إلى الله إلا موسومةً بنقائصَ لا يجبرها إلا نظرُ الرحمن،  فإذا تصدق العبد من كسبٍ طيب مستعد للقبول فُتح لها بابُ الرحمة؛ فلا يزال نظرُ الله إليها يكسبها نعتَ الكمال ويُوفيها حصّة الثواب حتى تنتهي بالتضعيف إلى مثل الجبل.

 

 

 وَفِي الْحَدِيثِ اقْتِبَاسٌ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] فَالْمُرَادُ بِالرِّبَا جَمِيعُ الْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالصَّدَقَاتُ تُقَيَّدُ بِالأموال الْحَلَال.

 

وَفِي رِوَايَةِ عند مسلمٍ والنَّسَائِيِّ: «إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ» ، وَلَعَلَّ ذِكْرَ «الرَّحْمَنِ» هنا لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَحْمَتِهِ وَسَعَةِ كَرَمِهِ.

 

 

 

انظر -بتصرف كثير واختصارٍ: فيض القدير للمناوي ومرقاة المفاتيح للقاري، وشرح مسلم للإمام النووي.

 

 *****************************  

 

 

2-   تابع فوائد الصدقة:

الاستتارُ والوقاية من النار؛ ولو بالتصدق بأقل القليل؛ كنصف التمرة!

 

 

عنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

 

« مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ:

 

  فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ ،

 

 وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ،

 

فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ »

 

رواه البخاري ومسلم

 

 

 

 

865 - ( حسن لغيره )

 

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا:

 

 « يَا عَائِشَةُ! اسْتَتِرِى مِنَ النَّارِ؛ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ؛  فَإِنَّهَا تَسُدُّ مِنَ الْجَائِعِ مَسَدَّهاَ مِنَ الشَّبْعَانِ » .

 

 رواه أحمد بإسناد حسن

 

شرج حديث عدي رضي الله عنه: 

 

(وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) : «مِنْ» مَزِيدَةٌ لِاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ، وَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ (إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ) أَيْ: بِلَا وَاسِطَةٍ (لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ) أَيْ: بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ (تَرْجُمَانٌ) أَيْ: مُفَسِّرٌ لِلْكَلَامِ بِلُغَةٍ عَنْ لُغَةٍ، يُقَالُ، (وَلَا حِجَابٌ) أَيْ: حَاجِزٌ وَسَاتِرٌ وَمَانِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وفي رواية من روايات البخاري بعده زيادة كلمة: (يَحْجُبُهُ) أَيْ: يَحْجُبُ ذَلِكَ الْعَبْدَ مِنْ رَبِّهِ.

 

 (  فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ) الْمَعْنَى: يَنْظُرُ فِي الْجَانِبِ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ، (فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ) أَيْ: عَمَلِهِ الصَّالِحِ مُصَوَّرًا، أَوْ جَزَاءَهُ مُقَدَّرًا، (وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ) أَيْ: فِي الْجَانِبِ الَّذِي فِي شِمَالِهِ (فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ) أَيْ: مِنْ عَمَلِهِ السَّيِّئِ،

وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَيْمَنَ وَأَشْأَمَ َالْمُرَادُ بِهِمَا الْيَمِينُ وَالشِّمَالُ، فَقِيلَ: نَظَرَ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ هُنَا كَالْمَثَلِ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ شَأْنِهِ إِذَا دَهَمَهُ أَمْرٌ أَنْ يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا لِطَلَبِ الْغَوْثِ. وَقَالَ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الِالْتِفَاتِ أَنَّهُ يَتَرَجَّى أَنْ يَجِدَ طَرِيقًا يَذْهَبُ فِيهَا ; لِتَحْصُلَ لَهُ النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ، فَلَا يَرَى إِلَّا مَا يُفْضِي بِهِ إِلَى النَّارِ.

 

(وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ) أَيْ فِي مُحَاذَاتِهِ وَعَلَيْهَا الصِّرَاطُ

 

(فَاتَّقُوا النَّارَ) أَيْ: إِذَا عَرَفْتُمْ ذَلِكَ فَاحْذَرُوا مِنْهَا وَلَا تَظْلِمُوا أَحَدًا (وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) : أَوْ فَتَصَدَّقُوا وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ!  أَيْ: لَوْ بِمِقْدَارِ نِصْفِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا، وَالْمَعْنَى وَلَوْ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا ; فَإِنَّهُ – أي ذلك التصدّق - ولو بشيءٍ يسيرٍ-  حِجَابٌ وَحَاجِزٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ النَّارِ ; فَإِنَّ الصَّدَقَةَ جُنَّةٌ وَوَسِيلَةٌ إِلَى جَنَّةٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَفي روايةٍ في الصحيح بزيادة: " «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» ".

 ---------------------

انظر بتصرف كثيرٍ واختصارٍ: مرقاة المفاتيح للملا علي القاري.

 

 *****************************  

 

3-     رجَح الرغيفُ السّتَةَ!

 

ذكرنا في الفائدة السابقة  قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: « فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ »، وفي هذه الفائدة قصة جميلة تُبيّنُ كيف وَقَتْ  صدقةٌ يسيرةُ صاحبَها من النّار بفضل الله تعالى.

 

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:

 «إنّ راهبًا عبدَ اللهَ في صَومعته ستِّين سنةً؛ فجاءت امرأةٌ فنزلتْ إلى جنبه، فنزل إليها فواقعها ستَّ ليالٍ.

 ثم سُقِط في يده؛ فهرب، فأتَى مِسجدًا، فأوَى فيه ثلاثًا لا يطْعم شيئًا، فأتي برغيفٍ فكَسْره: فأعطَى رُجَلًا عن يمينه نصفَه، وأعطى آخر عن يساره نصفه.

 

 فبعثَ اللهُ إليه ملَكَ الموت، فقبضَ رُوحَه،  فوُضِعَتِ السّتُون في كفّةٍ، ووُضِعَت الستَّةُ في كفةٍ فرجَحتْ - يعني السّتَة -،  ثم وُضِعَ الرغيفُ فرجَحَ-  يعني: رجَح الرغيفُ السّتَةَ!»

 

قال الحافظ المنذري: رواه البيهقي عن ابن مسعود موقوفا عليه   (أي من كلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم) ، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب موقوفًا عليه.  

 

انظر – بتصرف:  صحيح الترغيب والترهيب.

 

 

4-   يا بنيّ! اذكُروا صاحبَ الرغيف

 

 

هل تأملتم معي  في الفائدة السابقة كيف رجحتْ ليالي الزنا القليلةُ عشراتٍ من سِنِي  العبادةِ الطويلة، ثم جاءت صدقة الرغيف فرجحتْ  ليلاليَ الزنا بفضل الله وكرمه جلَّ وعلا؟

 

تُرَى: مَن مِنَّا سيذكرُ صاحبَ الرغيف،  ويوصّي أولاده بذلك عند وفاته كما فعل الصحابي الجليل أبو موسَى الأشعري رضي الله عنه،  حتى  يداومَ هو وأولاده  على الصدقة - ولو بأقل القليل - إلى أن يتوفاهم   الله تعاالى كما ورد في الحديث التالي: 


(أن أبا موسى لما حضرته الوفاة قال : يا بنيّ! اذكُروا صاحبَ الرغيف : كان رجل يتعبد في صومعة-  أراه سبعين سنة!  فشبه الشيطانُ في عينه امرأةً، فكان معها سبعة أيام وسبع ليال، ثم كُشِف عن الرجل غطاؤه:  فخرج تائب،

 

ثم ذكر أنه بات بين مساكين، فتُصدِّق عليهم برغيف رغيف، فأعطوه رغيف، ففقده صاحبُه الذي كان يُعطاه، فلما علم بذلك، أعطاه الرغيف وأصبح ميتا،

 

فوزنت السبعون سنة بالسبع ليال،فرجحت الليالي، ووزن الرغيف بالسبع الليال، فرجح الرغيف .

 

------------------------

الراوي: - المحدث: ابن رجب - المصدر: جامع العلوم والحكم - الصفحة أو الرقم: 1/436
خلاصة حكم المحدث:
صحَّ من رواية أبي بُردة.

 

 

 *****************************  

 

من فوائد الصدقة:  مُداواة المرضَى بها 

 

قال صلى الله عليه وسلم:

« دَاوُوا مَرْضَاكُم بِالصَّدَقَةِ »

 

الراوي: الحسن البصري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 744
خلاصة حكم المحدث: حسن لغيره.

 

-------------------------------------------------

 



(داووا مرضاكم بالصدقة) فإن الطب نوعان:  جسماني وروحاني، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأول فقال صلى الله عليه وسلم: « تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ »، أخرجه أبو داود والترمذي وصححه النووي والألباني.

 

وأشار الآن إلى الثاني؛ فأمر بمداواة المرضَى بالصدقة، ونبَّه بها على بقية أخواتها من القُرب ؛ كإغاثة مكروب؛  من نحو إطعام الجائع واصطناع المعروف لذي القلب الملهوف، وجبر القلوب المنكسرة ؛ كالمرضى من الغرباء، والفقراء، والأرامل،  والمساكين الذين لا يُؤبَه بهم.

 

وقد جرب ذلك الموفَّقون فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية.

 

 

قالوا: كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعالج الأمراض بثلاثة أنواع : بالأدوية الطبيعية، وبالأدوية الإلهية - وهذا منها -  وبالأدوية المركبة منهما. 

 

 انتهى بتصرفٍ كثير جدا واختصارٍ من فيض القدير للمناوي.

 

 

 *****************************  

 

من فوائد الصدقة:  "اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ"!!.

 

 

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 

« بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ؛ فَسَمِعَ صَوْتاً فِى سَحَابَةٍ:  "اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ"!!.

 

فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ،  فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِى حَرَّةٍ!!  فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ!!

 

فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِى حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ.

 

فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ! مَا اسْمُكَ؟ قَالَ:  "فُلاَنٌ" . لِلاِسْمِ الَّذِى سَمِعَ فِى السَّحَابَةِ!!!

 

فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! لِمَ تَسْأَلُنِى عَنِ اسْمِى؟!

 

فَقَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ صَوْتاً فِى السَّحَابِ الَّذِى هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ" "اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ"  لاِسْمِكَ!  فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟!!

 

قَالَ: أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّى أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا: فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِى ثُلُثاً، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ » .

 

أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (2984)،

 

 

وفي رواية أخرى عند الإمام مسلم قال:

 

« قَالَ:  وَأَجْعَلُ ثُلُثَهُ فِي الْمَسَاكِينِ وَالسَّائِلِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ»

 

 

 

 

شرح مسلم:

 

 (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: بَيْنَا) أَيْ: بَيْنَ أَوْقَاتٍ (رَجُلٌ بِفَلَاةٍ) أَيْ: بِصَحْرَاءَ وَاسِعَةٍ («مِنَ الْأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ) وَهِيَ بُسْتَانٌ يَدُورُ عَلَيْهِ حَائِطٌ، وَفُلَانٌ كِنَايَةٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنِ اسْمِ صَاحِبِ الْحَدِيقَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ صَرِيحًا.

 

 (فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ) أَيْ: تَبَعَّدَ عَنْ مَقْصِدِهِ (فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ) "الحرة" هِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ،

 

 (فَإِذَا شَرْجَةٌ) "الشرجة" هي مَسِيلُ الْمَاءِ إِلَى السَّهْلِ مِنَ الْأَرْضِ (مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ) الْوَاقِعَةِ فِي تِلْكَ الْحَرَّةِ (قَدِ اسْتَوْعَبَتْ) أَيْ: بِالْأَخْذِ (ذَلِكَ الْمَاءَ) أَيِ: النَّازِلَ مِنَ السَّحَابِ الْوَاقِعَ فِي الْحَرَّةِ (كُلَّهُ) تَأْكِيدٌ.

 

 (فَتَتَبَّعَ) أَيْ: ذَلِكَ الرَّجُلُ (الْمَاءَ) أَيْ: أَثَرَهُ (فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ) أَيْ: مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ مِنْ حَدِيقَتِهِ (بِمِسْحَاتِهِ) هِيَ الْمِجْرَفَةُ مِنَ الْحَدِيدِ أَوْ غَيْرِهِ،

 

 (فَقَالَ) أَيِ: الرَّجُلُ (لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْحَدِيقَةِ (يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكُ؟) أَيِ: الْمَخْصُوصُ (قَالَ: فُلَانٌ؛ الِاسْمُ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ.

 

 (فَقَالَ لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ (يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ وَيَقُولُ» ) أَيْ: ذَلِكَ الصَّوْتُ يَعْنِي صَاحِبَهُ لِلسَّحَابِ، وَفِي نُسْخَةٍ يَقُولُ (اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ لِاسْمِكَ).

 

 (فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟) أَيْ: فِي حَدِيقَتِكَ مِنَ الْخَيْرِ حَتَّى تَسْتَحِقَّ هَذِهِ الْكَرَامَةَ؟!! (قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ زَرْعِ الْحَدِيقَةِ وَثَمَرِهَا (فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ،  وَآكُلُ أَنَا وَعِيالِي ثُلُثًا،  وَأَرُدُّ فِيهَا) أَيْ: وَأَصْرِفُ فِي الْحَدِيقَةِ لِلزِّرَاعَةِ وَالْعِمَارَةِ (ثُلُثَهُ).

 

 

انظر بتصرّفٍ كثيرٍ واختصارٍ: "مرقاة المفاتيح" للملا على القاري.

 

وتأمَّلْ أخي الفاضل : كيف رفعَ اللهُ هذا المزارعَ إلى مَصافِّ أولياء الله تعالى، وأجرى له الكراماتِ، وسخّرَ له سحابًا مأمورًا من رب الأرض والسماوات حتى يَصبّ الماءَ -  ثم يجمّعه له  - في حديقته تلك ويحافظ له عليها، كلُّ ذلك بفضل الصدقة، والمداومةِ عليه؛ بإنفاق ثُلث مالِه كلِّه في كلِّ مرَّةٍ صدقةً لله تعالى، ثم بإعفافِه أولادَه وأهلَه وعدم التقتير عليهم؟!!

 

فهلّا داومَنا كلُّنا على الصدقة – خاصّةً في أوقاتنا هذه التي تأثرتْ فيه أرزاقُ كثيرٍ من أصحاب المهن الحرة بسبب ظروف الثورات،  وضاقت عليهم الأحوال، لعلّ اللهَ أن يطَّلع على أعمالِنا الصغيرة تلك، فيرفع لنا الدرجات ويبارك ويحفظ  لنا أموالنا بفضلِه ورحمتِه؟

 

 

 

 *****************************  

 

 

من فوائد الصدقة: أنها المنفعة الحقيقيّة الوحيدة الباقية من المال

 

 

عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 « يَقُولُ الْعَبْدُ: "مَالِى.. مَالِى" !

 إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ: مَا أَكَلَ.. فَأَفْنَى،  أَوْ لَبِسَ.. فَأَبْلَى،  أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى.

 وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ،  وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ » .

 رواه مسلم (2959)

شرح الحديث:

 

(عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « يَقُولُ الْعَبْدُ:) قال "العبد" لأن  العبد وما في يده لمولاه،  ولا ينبغي له أن يَنسب إلى نفسه شيئًا، عكسًا لما سيأتي.

 

 ("مَالِى.. مَالِى"!) أي:  مالي كذا..  مالي كذا . والمعنى:  يقول العبد ذلك افتخارًا بهذا لاستكثاره، أو المعنى: لم يعرف المقصود من المال ولا ما يترتب عليه في المآل – أي في الآخرة - من الوبال!

 

(إِنَّمَا) إي:  إنّ الذي (لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ) أي له ثلاث منافعَ. ذكر ذلك  الطيبيُّ رحمه الله.  والمعنى:  أن الذي يحصل له من ماله ثلاث منافع في الجملة،  لكن منفعة واحدة منها حقيقيَّة باقية، والباقي منها صوريَّة فانية:  

(مَا أَكَلَ) أي ما استعمل من جنس المأكولات والمشروبات (فَأَفْنَى) أي فأعدمها،

(أَوْ لَبِسَ.. ،  ) أي من الثياب (فَأَبْلَى) أي فأخلقها،

 

 (أَوْ أَعْطَى ) أي لله تعالى  (فَاقْتَنَى)  المعنى في اللغة:  "يقتَني"  وهو أنْ يتخذه لنفسه لا للبيع، والمقصود في الحديث  أنه لـمّا أعطي هذه المالَ لله تعالى جعله اللهُ ذخيرةً له للآخرة،

 

 (وَمَا سِوَى ذَلِكَ) أي وما عدا ما ذُكِرَ من سائر أنواع المال من المواشي والعقار والخدم والنقود والجواهر ونحو ذلك (فَهُوَ) أي ذلك العبدُ (ذَاهِبٌ) عنه،  (وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ) أي تاركه للورثة أو غيرهم بلا فائدةٍ راجعةٍ إليه،  مع أنّ مطالبة المحاسبة في القبر والآخرة والمعاقبةُ عليه هو!

 

 

********

 

 

قال تعالى:

 بسم الله الرحمن الرحيم

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}

 

 

********

  

 

الحديث الثاني: 

وعَنْ مُطَرِّفٍ بن عبد الله عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ:

 أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ ( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) قَالَ:

 « يَقُولُ ابْنُ آدَمَ:  "مَالِى.. مَالِى" !  

قَال: وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ:  مَا أَكَلْتَ.. فَأَفْنَيْتَ،  أَوْ لَبِسْتَ.. فَأَبْلَيْتَ،  أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟! » .

رواه مسلم (2958)

 

 

شرح الحديث:

 

(وعَنْ مُطَرِّفٍ بن عبد الله عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}) قوله تعالى:  {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } "ألهاكم" يعني شَغَلَكم عن المقابر وعن الموت وما بعده المباهاةُ بكثرة المال والعَدَد عن طاعة ربّكم، وعما يُنجِّيكم من سَخَطه عليكم {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } أي حتى أصبحتم من أهل القبور بعد موتكم.

 

  ثُمّ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ ابْنُ آدَمَ:  "مَالِى.. مَالِىّ"!  وَهَلْ لَكَ)  أي وهل يحصُل لك من المال وينفعك في المآل ،

 

(إِلاَّ:  مَا أَكَلْتَ.. فَأَفْنَيْتَ،  أَوْ لَبِسْتَ.. فَأَبْلَيْتَ،  أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟!) أي فأمضيتَه من الإفناء والإبلاء،  وأبقيتَه لنفسك يوم الجزاء. كما  قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [سورة النحل]،  وقال عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} [سورة البقرة].

 

 

 

 -------------------------------------------------------------------------

 

انتهى بتصرفٍ كثيرٍ واختصارٍ من : "مرقاة المفاتيح" للقاري، وتفسير الطبري، ومعجم "تهذيب اللغة" للأزهري، شرح رياض الصالحين لابن عثيمين. 

 

  

 

عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 « يَقُولُ الْعَبْدُ: "مَالِى.. مَالِى" !

 إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ: مَا أَكَلَ.. فَأَفْنَى،  أَوْ لَبِسَ.. فَأَبْلَى،  أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى.

 وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ،  وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ » .

 رواه مسلم (2959)

 

 

قال تعالى:

 بسم الله الرحمن الرحيم

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}

 

 

وعَنْ مُطَرِّفٍ بن عبد الله عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ:

 أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ ( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) قَالَ:

 « يَقُولُ ابْنُ آدَمَ:  "مَالِى.. مَالِى" !  

قَال: وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ:  مَا أَكَلْتَ.. فَأَفْنَيْتَ،  أَوْ لَبِسْتَ.. فَأَبْلَيْتَ،  أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟! » .

رواه مسلم (2958)

 

 

859 - ( صحيح )

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً،  فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:

 « مَا بَقِىَ مِنْهَا؟» . قَالَتْ:  مَا بَقِىَ مِنْهَا إِلاَّ كَتِفُهَا .

قَالَ: « بَقِىَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا » .

رواه الترمذي (2470)

وقال: (حديث حسن صحيح).

 ومعناه:  أنهم تصدقوا بها إلا كتفها.

 

 

 

 *****************************  

 

 

من فوائد الصدقة: إطفاء حرّ القبور في حياة البرزخ، والاستظلال بها من حرّ يوم القيامة

 

 

 ( حسن )

وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«إن الصدقة لتُطفىء عن أهلِها حرَّ القبور.

 وإنما يستظلُّ المؤمنُ يومَ القيامة في ظِلِّ صدْقتِه»

رواه الطبراني في الكبير والبيهقي وفيه ابن لهيعة

 

وعن يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ – رضي الله عنه- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :

« كُلُّ امْرِئٍ فِى ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ » . أَوْ قَالَ:

 « يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ » .

قَالَ يَزِيدُ:  "وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لاَ يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلاَّ تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَىْءٍ؛ وَلَوْ كَعْكَةً، أَوْ بَصَلَةً.. أَوْ كَذَا"

 

شرح الحديث:

 

 (إن الصدقة لتُطفىء عن أهلِها) أي عن المتصدقين بها لوجه الله تعالى (حرَّ القبور) أي محل الدفن ، خصَّها بذلك؛  لأنها إذا وقعتْ في يدِ جوعانَ أطْفأَتْ عنه تلهُّبَ الجوع وتحرَّقَه. وإيلامُ الجوع البالغ أشدُّ من إيلام حرق النار!

فكما أخمدَ المتصدقُ حرَّ الجوع يُجازَى بمثله إذا صار مجندَّلا في القبور جزاءً وفاقًا.

 

 (وإنما يستظلُّ المؤمنُ يومَ القيامة) من وهج الشمس في الموقف يوم تدنو الشمس قدرَ مِيلٍ من الخلائق، فمنهم من يغرَقُ في عرَقه حتى كعبيه ...إلخ،

 

  (في ظِلِّ صدْقتِه) كأن صدقتهَ تُجسَّدُ كالطود العظيم فيكونُ في ظِلِّ هذا الطود،  ..

 وقال العامريّ:  ليس المراد بها ظله من حرّ الشمس فقط،  بل تمنعه من جميع المكاره وتستره من النار إذا واجهته،  وتُوصِّله إلى جميع المحابِّ، مِن قولهم: "فلانٌ في ظلِّ فلان"

 

 -------------------------------------------------------------------------

انتهى بتصرفٍ كثيرٍ واختصارٍ من : "فيض القدير" للمناوي . 

 

 

 *****************************  

 

 

من فوائد الصدقة: إطفاء حرّ الخطيئة

 

866 - ( صحيح )

عن جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ  رضي الله عنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ :

«يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ: الصَّلاةُ قُرْبَانٌ ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ،

 يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ:  النَّاسُ غَادِيَانِ ، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقٌ رَقَبَتَهُ ، وَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقٌ رَقَبَتَهُ»

رواه أبو يعلى بإسناد صحيح

 

 

 *****************************  

 

 

من فوائد الصدقة: أن فيها الفداء والفكاك من كلّ مكروب

 

877 - ( صحيح )

وعن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا، وَيَأْمُرَ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَ.. » فذكر الحديث إلى أن قال فيه:

«وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوّ،ُ فَأَوْثَقُوا يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ، وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَالَ: أَنَا أَفْدِيهِ مِنْكُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ . فَفَدَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ»

الحديث رواه الترمذي وصححه وابن خزيمة واللفظ له وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما وتقدم بتمامه في الالتفات في الصلاة

 

 

 *****************************  

 

 

من فوائد الصدقة: أن صدقة السرّ - أي في الخفاء- تُطفيءُ غضبَ الربّ العظيمَِ.

 

 

- ( حسن لغيره )

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

صنائعُ المعروف تَقِي مَصارعَ السوء، وصدقةُ السِّرِّ تُطفىءُ غَضَبَ الرب،  وصِلةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ في العُمرِ

رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن

 

- ( حسن لغيره )

وروي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«صنائعُ المعروف تَقِي مَصارعَ السوء، والصدقةُ خفيًا تُطفىء غَضَبَ الربِّ، 

 وصِلةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ في العُمرِ،  وكلُّ معروفٍ صدقةٌ،

 وأهلُ المعروف في الدنيا هُمْ أهلُ المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة »

رواه الطبراني في الأوسط

 

شرح الحديث:

 

قال بعضُ العلماء : هذا  الحديث من جوامع الكلم!

و"جوامع الكلم" هي أحاديث للنبيّ صلة الله عليه وسلم قليلةُ المبنَى - أي عدد كلمات الحديث قليلة- غزيرةُ المعنَى - يعني تحتوى على معانٍ كثيرةٍ جدًا لا تتناسب مع قلة عدد هذه الكلمات. وهذا مما آتاه الله تعالى إياه صلى الله عليه وسلم.

 

 (صنائعُ المعروف)  و"صنائع" جمع صنيعة، وصنيعة المعروف هي ما اصطنعتَه من خيرٍ (تَقِي) أي تَحْفَظُ مِن  (مَصارعَ السوء) وفي هذا تنويهٌ عظيمٌ بفضل المعروف وأهلِه.

 

 (والصدقةُ خفيًا) في رواية "وصدقة السرِّ"  (تُطفىء غَضَبَ الربِّ) و"السرُّ" هو ما لم يطلع عليه إلا الحقُّ سبحانه وتعالى،  وذلك لأن إسرارَ العبدِ دليلٌ على إخلاصِه لمشاهدةِ ربِّه؛ وهي درجة الإحسان، وفي القرآن الكريم: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} فبنور الإخلاص ورحمة الإحسان أُطْفِأ نارُ الغضب.

 

فإذا أُطِفَأَ  غضبُ الله  عن فلانٍ منعَ  اللهُ تعالى عنه إنزالَ المكروه عليه في الدنيا، ووخامةَ العاقبة في الآخرة . فمن  غضبَ اللهُ عليه فقد تعرّض لعقابه، فإذا زال ذلك الغضب بالصدقة زال العقاب.

 فهو سبحانه وتعالى المُوَفِّقُ عبْدَه لما تصدّق به، فهو المُطفئ غضبه بما وفَّق عبدَه  سبحانه وتعالى ـ!!!

 

قال بعضهم : المعنى المقصود في هذا الموضع الحثّ على إخفاء الصدقة،  وفي مسند أحمد-  وقال ابن حجر في فتح الباري : إسناده حسن-  يرفعُ الحديث: « لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ، فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَأَلْقَاهَا عَلَيْهَا،  فَاسْتَقَرَّتْ. فَتَعَجَّبَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ خَلْقِ الْجِبَالِ،  فَقَالَتْ يَا رَبِّ! هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَىْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْجِبَالِ؟!  قَالَ: نَعَمِ الْحَدِيدُ . قَالَتْ: يَا رَبِّ! هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَىْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ ؟! قَالَ: نَعَمِ النَّارُ . قَالَتْ: يَا رَبِّ! هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَىْءٌ أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟! قَالَ: نَعَمِ الْمَاءُ . قَالَتْ: رَبِّ! فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَىْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْمَاءِ؟! قَالَ: نَعَمِ الرِّيحُ . قَالَتْ: يَا رَبِّ! فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَىْءٌ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟! قَالَ: نَعَمِ ابْنُ آدَمَ؛ يَتَصَدَّقُ بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا مِنْ شِمَالِهِ »

 

 

ورُوي عن عليِّ بنِ الحسين : أنَّه كان يحملُ الخبزَ على ظهرهِ باللَّيل يتَّبِعُ به المساكينَ في ظُلمة الليل ،

ويقول : إنَّ الصَّدقة في ظلامِ اللَّيلِ تُطفئُ غضبَ الرَّبِّ - عز وجل.اهـ. وقد قال الله - عز وجل - : {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ}  ،

 

(وصِلةُ الرَّحِمِ ) أي "القرابة" وإن بعُدَتْ، وذلك بالتَّعَهُّدِ والـمُراعاة والـمُواساة ونحو ذلك (تَزِيدُ في العُمرِ).

 

(وكلُّ معروفٍ)فَعَلْتَه مع كبيِرٍ أو صغيرٍ  فقيرٍ أو غنيٍّ (صدقةٌ) أي يُثاب عليه ثواب الصدقة.

 

 ( وأهلُ المعروف في الدنيا هُمْ أهلُ المعروف في الآخرة، وأهلُ المعروف في الدنيا هُمْ أهلُ المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة،).

 

 قال الماورديُّ : وللمعروف شروطٌ لا يتمّ إلا بها،  ولا يكمل إلا معها، فمنها: ستر المعروفِ عن إذاعته،  وإخفاؤه عن إشاعته.  

وقال بعض الحكماء : إذا اصطنعتَ المعروفَ فاسترْه،  وإذا اصْطُنِع إليك معروفٌ فانشرْه  لما جُبلت عليه النفوس من إظهار ما أُخفى وإعلان ما كُتم.

 

ومن شروط المعروف أيضًا: تصغيره عن أنْ تراه عندك كبيرًا، وتقليله عن أن يكون عنده كثيرًا؛

وقال العباسُ : لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال: تعجيله، وتصغيره، وستره.

 

ومن الشروط أيضًا: مجانبة الامتنان به،  وترك الإعجاب بفعله؛ لما فيه من إسقاط الشكر وإحباط الأجر.

 

 ومن الشروط أيضًا: ألَّا يحتقر منه شيئًا،  وإن كان قليلًا نزرًا.. لذلك قال صلى الله عليه وسلم: « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً؛ وَلَوْ أَنْ تُعْطِىَ صِلَةَ الْحَبْلِ، وَلَوْ أَنَ تُعْطِىَ شِسْعَ النَّعْلِ، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِى إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِى، وَلَوْ أَنْ تُنَحِّىَ الشَّىْءَ مِنْ طَرِيقِ النَّاسِ يُؤْذِيهِمْ،  وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْطَلِقٌ،  وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِ،  وَلَوْ أَنْ تُؤْنِسَ الْوُحْشَانَ فِى الأَرْضِ،  وَإِنْ سَبَّكَ رَجُلٌ بِشَىْءٍ يَعْلَمُهُ فِيكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ فِيهِ نَحْوَهُ فَلاَ تَسُبَّهُ؛ فَيَكُونَ أَجْرُهُ لَكَ وَوِزْرُهُ عَلَيْهِ،  وَمَا سَرَّ أُذُنَكَ أَنْ تَسْمَعَهُ فَاعْمَلْ بِه،ِ وَمَا سَاءَ أُذُنَكَ أَنْ تَسْمَعَهُ فَاجْتَنِبْهُ »،  (أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/483)، وصحح إسنادَه الشيخُ شعيب في التحقيق، وصححه أيضا الشيخ الألباني في الصحيحة)  

 

 

فائدة:

قال المرتضى الزَّبيدي في معجمه "تاج العروس":

. والمَعْرُوفُ : ضِدُّ المُنْكَرِ،  قالَ اللهُ تعالَى : " وأْمُرْ بالمَعْرُوف " وفي الحَدِيث : صَنائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصارِعَ السُّوء " . وقال الرَّاغِبُ : "المَعْرُوفُ : اسمٌ لكلِّ فِعْلٍ يُعْرَفُ بالعَقْلِ، والشَّرْعِ حُسْنُه"، والمُنْكَرُ : ما يُنْكَرُ بِهِما.

 

 قال تَعالى : " تَأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَن المُنْكَرِ "، وقالَ تعالى : " وقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً " ومن هذا قيل للاقْتِصادِ في الجُودِ : "معْرُوفٌ" لَمّا كانَ ذلك مُسْتَحْسَناً في العقولِ،  وبالشرْعِ نحو : " ومَنْ كان فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بالمَعْرُوفِ " وقوله : " وللمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بالمعْرُوفِ " أَي بالاقْتِصادِ والإِحسان، وقولُه : " قَوْلٌ مَعْرُوفٌ ومَغْفِرَةٌ خَيْرٌ من صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذًى" أَي : رَدٌّ بالجَمِيلِ ودُعاءُ خيرٌ من صَدَقَةٍ هكذا.

 

انتهى بتصرفٍ كثيرٍ واختصارٍ من : "فيض القدير" للمناوي وتاج العروس للزبيدي.

 

 

أخي الكريم!  هل أحسَسْتَ قطُّ أن اللهَ غاضبٌ عليك بسبب ذنبٍ من الذنوب أو حال سيء من أحوالك مع الله تعالى ولا تعرف ماذا تفعل؟

في هذا الحديث السابق وسيلةٌ عظيمةٌ  بيّنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم لرفع هذا الغضب الإلهي المستوجب للعقاب في الدنيا والآخرة، فهلّا فعلتَ؟

 

 

 *****************************  

 

من فوائد الصدقة: أن صدقة قليلِ المال ثوابها مضاعفٌ جدا

 

- ( صحيح )

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:

 يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَىُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟

 قَالَ: « جَهْدُ الْمُقِلِّ ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ » .

رواه أبو داود (1677) وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال

صحيح على شرط مسلم

 

883 - ( حسن )

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 « سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ » .

فَقَالَ رَجُلٌ : وَكَيْفَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

  قَالَ : «رَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَخَذَ مِنْ عُرْضِهِ مِائَةَ أَلْفٍ ، فَتَصَدَّقَ بِهَا ، وَرَجُلٌ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ دِرْهَمَانِ؛ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ.»

رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال

صحيح على شرط مسلم

 

شرح الحديث الأول

 

 

 

(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَىُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: « جَهْدُ) "جهد" رُوي الحديثُ فيها بضم الجيم - "جُهد" - وفتحها "جَهْد"؛ فبالضم هو الوُسْع والطاقة، ، وبالفتح المشقة والنهاية والغاية، كما ورد في حديث  " تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ ".

 و (الْمُقِلِّ) هو  الـمَجْهُودَ والقليلُ المال. فالمعني: أن أفضل الصدقة هي مَا يُعْطِيهِ الْمُقِلُّ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ .

وقال ابن الملك : أي أفضل الصدقة ما قدر عليه الفقير الصابر على الجوع أن يعطيه.

وإنما كان ذلك أفضل لدلالته على الثقة بالله والزهد ، فصدقته أفضل الصدقة ، وهو أفضل الناس بشهادة خبر : أفضل الناس رجل يعطي جهده. فالفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين.

ويُؤيد هذا المعنى - أي حديث جهد المقل - قولُه تعالى : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر : 9]

 

ويحتمل أن يكون المراد من الحديث ما ورد في الحديث  « سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ». فَقَالَ رَجُلٌ : وَكَيْفَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!   قَالَ : «رَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَخَذَ مِنْ عُرْضِهِ مِائَةَ أَلْفٍ ، فَتَصَدَّقَ بِهَا ، وَرَجُلٌ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ دِرْهَمَانِ؛ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ.»).

 

وهذان الحديثان يدلّان  على أنّ صدقة جهد المقل أفضل من صدقة كثير المال ببعض ماله الذي لا يَظهر أثرُ نُقصانِه عليه وان كان كثيراً، لأن الأعمال تتفاضل عند الله بتفاضل ما في القلوب لا بكثرتها وصورها، بل بقوة الداعي وصدق الفاعل واخلاصه وايثاره الله على نفسه.

 فأين صدقة من آثر اللهَ على نفسه برغيف هو قوته الى صدقه من أخرج مائة ألف درهم من بعض ماله غيضاً من فيض؟! فرغيف هذا درهمه في الميزان أثقل من مائة ألف هذا والله المستعان.

 

وقوله: (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ) أي بـِمَنْ تَلزمُك مُؤْنتَه وُجُوبًا، فقدِّمْهُ على التّصدُّقِ تقديـمًا للواجب على المندوب، ولا يدخل في ذلك ترفه العيال وإطعامهم لذيذ المطاعم بما زاد على كفايتهم، لأن من لم تندفع حاجته أولى بالصدقة ممن اندفعت حاجته في مقصود الشارع .

 

 

 

انتهى بتصرفٍ كثيرٍ واختصارٍ من : "فيض القدير" للمناوي، و"مرقاة المفاتيح" للقاري، و"مرعاة المفاتيح" للمباركفوري، وحاشية السندي على النسائي، عدّة الصابرين لابن القيم.


 

( اللهم اجعل هذا العلم حُجَّةً لنا لا علينا، وارزقْنا العملَ به)

 

 

 -إلى أعلى الصفحة-

 

تنبيه مهم:  هذه المقالة نقلها وتصرّف فيها  محُرِّرُ الموقع  اجتهادًا منه ونصحًا لإ خوانه  وبحسب ما أدى إليه فهمه واجتهاده،  لذا فإن أي خطأ يتحمله المحرر وحْدَه، وفضيلة الشيخ  الدكتور محمد الدبيسي عافاه الله تعالى  ليست له علاقة به،  والله الموفق.  اللهم ارزقنا العمل بما علمتنا واجعله حجة لنا لا علينا.

 

**************

بحث في الموقع بواسطة محرك البحث العملاق جوجل:

 

 

 آخر تحديث للصفحة: 5 رمضان 1432هـ، 5-8-2011

الحقوق الفكرية محفوظة لـ : فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله